کد مطلب:240962 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:171

ربما کان السکوت عن الجواب جوابا
فی حدیث الشیخ الصدوق المسند إنشاد المأمون العباس من الرضا علیه السلام الأبیات فی نبذة من الفنون منها قال المأمون: «فأنشدنی أحسن مارویته فی السكوت عن الجاهل، و ترك عتاب الصدیق فقال علیه السلام:



إنی لیهجرنی الصدیق تجنبا

فأریه أن لهجره أسبابا



و أراه إن عاتبته أغریته

فأری له ترك العتاب عتابا



و إذا بلیت بجاهل متحكم

یجد المحال من الأمور صوابا



أولیته منی السكوت و ربما

كان السكوت عن الجواب جوابا



فقال المأمون: ما أحسن هذا، هذا من قاله؟ فقال - علیه السلام - لبعض فتیاننا. [1] .

قال المیدانی فی مجمع الأمثال: (ربما كان السكوت جوابا)، هذا كقولهم: (ترك الجواب جواب) قال أبوعبید: یقال ذلك للرجل الذی یجل خطره عن أن یكلم بشی ء، فیجاب بترك الجواب [2] .

لیس كل كلام صوابا و جوابا بل رب سكوت أجمل من كلام، و أبلغ منه كما قال أمیرالمؤمنین علیه السلام: «رب سكوت أبلغ من كلام» [3] .

و المهم معرفة موضع الإصابة من كلام أو سكوت فرب مقام لایصلح فیه إلا الكلام، و آخر لایسوغ فیه إلا تركه و الناس أطوار مختلفون فی إدراك المقاصد و لیسوا فیها سواء، فمنهم من تكفیه الإشارة.

قال المیدانی:



العبد یقرع بالعصا

و الحر تكفیه الإشارة [4] .





[ صفحه 269]



و منهم من لولم تعد الكلام مرتین أو ثلاثا لایعی، فالحكیم أو من وهب له أدنی شعور لایعامل الناس إلا علی مقدرتهم و من ثم جاء الحدیث النبوی: «إنا معاشر الأنبیاء نكلم الناس علی قدر عقولهم». [5] و العلوی: «لسان الحال أصدق من لسان المقال». [6] و هو السكوت و الكف عن التكلم أحیانا.

ثم المثل الرضوی قد عرفت أنه المثل السائر، و نظیره العلوی: «رب كلام جوابه السكوت». [7] .

و حاصل البحث أن الكلام و السكوت لابد من الإتیان بهما بقدر الحاجة و إصابة لموضع اللائق. و یعجبنی ذكر حدیثین رواهما الشیخ الصدوق قال حدثنی أبی رحمه الله قال حدثنا سعد بن عبدالله عن إبراهیم بن هاشم عن علی بن معبد عن الحسین بن خالد عن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبی عبدالله علیه السلام «الرجل آتیه أكلمه ببعض كلامی فیعرف كله، و منهم من آتیه فأكلمه بالكلام فیستوفی كلامی كله، ثم یرده علی كما كلمته، و منهم من آتیه فأكلمه فیقول: أعد علی.

فقال: یاإسحاق أوما تدری لم هذا؟ قلت لا، قال: الذی تكلمه ببعض كلامك فیعرف كله فذاك من عجنت نطفته بعقله، و أما الذی تكلمه فیستوفی كلامك ثم یجبیبك علی كلامك فذاك الذی ركب عقله فی بطن أمه، و أما الذی تكلمه بالكلام فیقول: أعد علی، فذاك الذی ركب عقله فیه بعد ما كبر فهو یقول أعد علی» [8] هذا هو الحدیث الأول.

و أما الثانی:

فقال الصدوق: حدثنا محمد بن الحسن قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن بعض أصحابه، عن أبی عبدالله - علیه السلام - قال: «دعامة الإنسان العقل، و من العقل الفطنة و الفهم و الحفظ و العلم، فإذا كان تأیید عقله من النور، كان عالما حافظا ذكیا فطنا فهما، و بالعقل یكمل، و هو دلیله و مبصره و مفتاح أمره». [9] .



[ صفحه 270]



من الحدیثین الشریفین یتجلی البعد الشاسع ربما بین أخوین أحدهما سریع الفهم و الإدراك و الآخر بطیئهما فضلا عن غیر هما من الناس البعداء المختلفة أقطارهم و قبائلهم فإن التفاوت فی أفهامهم من الكثرة الكاثرة بمكان.

و لأمیرالمؤمنین كلام یشیر به فقال - علیه السلام - و قد ذكر عنده اختلاف الناس:

«إنما فرق بینهم مبادی ء طینهم، و ذلك أنهم كانوا فلقة من سبخ أرض و عذبها، و حزن تربة و سهلها، فهم علی حسب قرب أرضهم یتقاربون؛ و علی قدر اختلافها یتفاوتون، فتام الرواء ناقص العقل، و ماد القامة قصیر الهمة، و زاكی العمل قبیح المنظر، و قریب القعر بعید السبر، و معروف الضریبة منكر الجلیبة، وتائه القلب متفرق اللب، و طلیق اللسان حدید الجنان». [10] .

و ابن أبی الحدید أول الكلام العلوی بمایراه، و لیس الأمر علی ما أوله بل له معنی صحیح تعرضنا لبیان بعض ذلك دون الاستیفاء. [11] .

و لشرحه موضع خاص لابد من النظر إلی ملا بساته و شواهده و الجمع بین الأدلة كما هو شأن موضوع نظری تتطرق إلیه المحتملات من داخل، و خارج.



[ صفحه 271]




[1] عيون الأخبار 173 - 172:2.

[2] ج 302:1، حرف الراء.

[3] غرر الحكم 184 في (رب).

[4] مجمع الأمثال 19:2، حرف العين.

[5] إحياء العلوم 74:1.

[6] غرر الحكم 264 حرف اللام.

[7] غرر الحكم 183، في (رب).

[8] علل الشرائع 103 - 102/1.

[9] علل الشرائع 103-/1. باب 91 - علة سرعة الفهم و إبطائه.

[10] النهج 18:13، كلام 229.

[11] حرف الميم مع الألف من الأمثال العلوية: «ماد القامة قصير الهمة».